لوحة البيانات

عشرة سنوات من حوادث العنف
والترهيب تلاحق الصحفيون في ليبيا

لوحة البيانات

عشرة سنوات من حوادث العنف
والترهيب تلاحق الصحفيون في ليبيا

فهرس المحتويات

عشر سنوات مرّت على تأسيس المركز الليبي لحرية الصحافة كجمعية مُستقلة كان هدفها الرئيسي، ولا يزال التركيز على مكافحة الإفلات من العقاب وتحسين بيئة العمل الصحفي وتطوير آليات لضمان الحماية القانونية المفقودة للصحفيين والمدافعين على حقوق الإنسان، في ظل حالة الانهيار لمؤسسات الدولة والجمود السياسي بين للعملية السياسية المتعثرة وأزمة الشرعية للسلطات التشريعية والتنفيذية

خلال عقد كامل من الزمن تعرض المئات من الصحفيين والمدونين والمدافعين على حقوق الإنسان لحوادث جمة من التعذيب والاختطاف والاعتقال والمنع من العمل، ويرتقي العديد منها لجرائم ضد الإنسانية، وسط ويلات النزاع المٌسلح والتشظي وظهور زعامة بقوة سلاحها وعتادها لتفرض نفسها كلاعب في المشهد الليبي العام

حدثت العديد من التغييرات والتقلبات الواسعة خلال السنوات العشرة الأخيرة على جميع الأصعدة الأمنية والعسكرية والسياسية في عام 2014 كان السنة الفاصلة لانحدار البلاد نحو موجة عنف غير مسبوقة، حيث شهدت انتخابات هيئة صياغة الدستور في فبراير وانتخابات مجلس النواب في يونيو، وعلى إثرها انقسمت السلطة التشريعية، وعقد مجلس النواب جلساته في مدينة طبرق، ورفض المؤتمر الوطني العام تسليم السلطة ودفع ذلك لانقسام السلطة التنفيذية، فأصبح لمجلس النواب حكومة، وحكومة موازية أخرى في طرابلس تتبع المؤتمر الوطني حينها، إلى حين الاتفاق السياسي في الصخيرات الذي استطاع توحيد جزئي للسلطة التشريعية بتأكيد على شرعية مجلس النواب حينها وتغيير هيكلية المؤتمر الوطني العام ليصبح المجلس الأعلى للدولة، إلا أن الانقسام والنزاع على السلطة التنفيذية مٌستمر إلى حين اليوم، خصوصاً بعد اتفاق الصخيرات وجنيف

ومنذ حدوث انقسام السلطات في البلاد وانهيار نظام الحكم المٌوحد للبلاد، ظهرت عملية الكرامة في مدينة بنغازي التي قادها الجنرال خليفة حفتر الضالع في العديد من جرائم العنف والانتهاكات الجسيمة التي تعرض لها المئات من الصحفيين والناشطين والمدونين والمدافعين لحقوق الإنسان، بل حتى مسؤولين ونواب، فيما سيطرت قوات فجر ليبيا وهي تمرد عسكري يقود مقاتلين يرفعون شعارات ثورة فبراير على طرابلس وهي كذلك ضالعة في العديد من حوادث العنف والترهيب والاختطاف والتعذيب ضد الصحفيين والناشطين والهجمات على وسائل الإعلام المناوئة

لا يسعُ الوقت هنا لعرض السياق العام للأزمة الليبية على نحو دقيق، إلا أن أوضاع حرية الصحافة والتعبير ازدادت سوء، واتجهت البلاد لمنعطف خطير منذ عام 2014، حيث ارتفعت حينها حوادث القتل العمد والشروع بالقتل أو حوادث الاختطاف والتعذيب وجميعها جرائم ضد الإنسانية، وكان العام هو الأسوأ حينها منذ عقد من الزمن؛ بسبب سقوط العديد من الصحفيين ضحايا العنف والقتل العمد

ركز فريق المركز الليبي لحرية الصحافة منذ ذلك الوقت على تطوير وحدة رصد وتوثيق الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون والهجمات ضد وسائل الإعلام، وفقاً للمعايير الدولية، وتم خلالها تصميم منهجية مُحكمة لمراقبة وتوثيق الانتهاكات والتركيز على إجراء المقابلات مع الضحايا وتحليل السياق العام وإصدار التقارير الدورية والمنشورات الصحفية والشكاوى والمرافعات وغيرها من الأدوات التي كانت مٌتاحة

رغم التضامن الذي كان في العادة ما يسود بين الصحفيين ووسائل الإعلام والفاعلين والمجتمع المدني، أدى إلى تزايد الضغوطات على الأطراف المرتبكة والضالعة في ارتكاب الجرائم، وزاد الوعي الحتمي والتضامن الشعبي بين عموم الليبيين الذين أصبحوا أكثر وعياً بخطورة أعمال العنف والجرائم التي يرتقي العديد منها لجرائم ضد الإنسانية التي تواجه الصحفيين والمدافعين على حقوق الإنسان وسط اختطاف الجماعات المسلحة على مؤسسات الدولة وشرعنتها فيما بعد وظهور جماعات راديكالية.

تمترس العديد من الأطراف التي فرضت نفسها سلطات الأمر الواقع في البلاد، واستطاعت السيطرة على مقاليد الحكم وتقديم نفسها كبديل للحكم وإنهاء الفوضى، وأنشئت العديد منها وسائل إعلام، وأغلقت وسائل الإعلام المناوئة لها بمكان سيطرتها، ليفر العشرات من الصحفيين /ات خارج البلاد، وأفرغت البلاد حينها من صحفييها ومراسليها

وبهذا الصدد يقولمحمد الناجم المدير التنفيذي “إن منذ تأسيسنا كان تركيزنا منصباً حول مكافحة الإفلات من العقاب وتوثيق جرائم العنف التي نواجهها كصحفيين عاملين في الميدان، ولقد حاولنا التسليط الضوء بقدر الإمكان عن الصعوبات التي تواجهنا، لكن العقد الثاني لنا ظهرت لنا أنواع أخرى من التحديات والتضييقات التي علينا مجابهتها كذلك، ولعل أهمها سيطرة سلطات الأمر الواقع التي تفتقد للشرعية على إدارة وتوجيه الإعلام الليبي حسب مصالحها”

ويٌضيفالناجم ” إن التقرير البحثي يستعرض ملخصاً لأهم المحطات التي تم توثيقها وجمعها في سجلاتنا للفترة الزمنية بين 2014 إلى 2024، فضلاً عن تحليل قانوني للقرارات الحكومية المٌتعلقة بإدارة قطاع الإعلام الليبي التي اتخذتها الحكومات المتعاقبة والقوانين التي تمس حرية التعبير التي اتخذها مجلس النواب الليبي، فضلاً عن عرض وتحليل لطبيعة وتصنيف الاعتداءات والمٌدن التي حدثت بها وغيرها من البيانات التي توضح مدى تفشي ظاهرة العنف والاعتداءات الجسيمة خلال العقد الماضي، ويختتم التقرير البحثي بعرضِ للاستنتاجات والتوصيات اللازمة لتحسين قطاع الإعلام وحماية الصحفيين الليبيين “

خلال عقد كامل من الزمن عاش الصحفيون في ليبيا في ظروف استثنائية وصعبة نتيجة الوضع الأمني والسياسي المعقد وانهيار السلطة ودخولها في دوامة من التشظي والانقسام، وسط مسلسل من العنف تتزايد فيه وجوه المتورطين التي يتحكم بعضهم على مقاليد الحكم في الوضع الحالي

488اعتداء هو حصيلة ما وُثِّق على ما بين عامي 2014 إلى 2024 في أكثر من 11 مدينة ليبية، وهو رقم يُمثل جزءاً من سلسلة واسعة من حوادث العنف والجرائم التي تعرض لها الصحفيون والهجمات على وسائل الإعلام خلال عقد كامل من الزمن، فالكثير منهم يٌفضل السكوت وعدم تقديم الشكاوى خوفاً من ردود فعل انتقامية من المٌنتهكين الذين ينعمون بإفلات تام من العقاب في ظل الصراع السياسي والعسكري التي تعيشه ليبيا، فضلاً عن فرض القيود على الوصول للمعلومات والضغوط المهنية المٌتزايدة على وسائل الإعلام الليبية

لم تتخذ أي من مجلس النواب أو الحكومات المٌتعاقبة أي خطوات جدية وحقيقية نحو إصلاح قطاع الإعلام الليبي أو العمل على تعزيز حماية الصحفيين وتسهيل إجراءات أعمالهم الميدانية، بل إن الحكومات المتعاقبة ضالعة في فرض العديد من الإجراءات التعسفية على الصحفيين ومنعهم من العمل في العديد من المرات، وهنا تتضح كيف تستخدم الأطراف الليبية وسائل الإعلام كأداة سياسية

يصدر تقرير المركز الليبي لحرية الصحافة بعد 10 سنوات من إنشائه. ويسلط الضوء على أهم جوانب تردي حرية الصحافة في ليبيا خلال الفترة الممتدة من 2014-2023.

حيث سجل المركز الليبي 488 حالة انتهاك وقعت خلال نفس الفترة. وقد تميزت السنوات الممتدة من 2014-2017 بأعلى تسجيل لعدد حالات الانتهاكات ضد الصحفيين وهو ما يمكن تفسيره بالوضع السياسي والانفلات الأمني خلال هذه الفترة. اذ سجل المركز 96 حالة لعام 2014، و 96 حالة لعام 2015 و104 حالات لعام 2016 وهذا ما سيرد تفصيله لاحقا.. ويقدم التقرير رصد وتحليل أهم التشريعات والنصوص القانونية الماسة بحرية الصحافة والصحفيين ويركز على الإطار المؤسسي الحالي المنظم لهذا القطاع، كما يسلط الضوء على البيئة المعادية وممارسات الجهات الرسمية وغيرها من الجهات غير الرسمية التي تضع أصحاب المصلحة في خطر جدي ويقدم مجموعة من التوصيات التي تهدف لتحسين قطاع الصحافة وتعزيز وحماية حقوق وحريات الصحفيين والعمل الصحفي.

كان العام 2014 مفصليا في مسار التحول الديمقراطي بعد ما شهدته البلاد من أحداث سياسية وعسكرية أبرزها انتخاب مجلس النواب وهيئة صياغة مشروع الدستور وبداية الانقسام السياسي، وقد دخلت ليبيا على إثرها في دوامة من التحولات السياسية الفاشلة والانقسامات المستمرة والمتزايدة التعقيد بالإضافة للعوامل الخارجية التي أرسلتها إلى دوامة من الأزمات والعنف.

حيث كانت هذه الفترة مفصلية – وهو بداية الفترة التي يغطيها التقرير وسنة إنشاء المركز الليبي لحرية الصحافة-  وذلك مع اندلاع مواجهات مسلحة بين أهم مكوني الانتفاضة ضد القذافي، وذلك بين ما يمثله اللواء خليفة حفتر و” عملية الكرامة ” التي يقودها، ومجلس النواب في طبرق من جهة، وما تمثله قوات ” فجر ليبيا” وحكومة الإنقاذ الوطني في طرابلس من جهة أخرى.

وقد كان أحد أهم التحديات التي واجهت عملية بناء قدرات الدولة في ليبيا هو الانقسام المؤسسي الذي أثر بشكل كبير في أداء الكثير من المؤسسـات بعد انقسامها، وفي مسـتوى الخدمات العامة المقدمة للمواطنين وحماية واحترام حقوق الإنسان، خاصة بعد انقسام المؤسستين التشريعية والتنفيذية. فبنهاية العام 2015 كان في ليبيا برلمانان وحكومتان.

وفي مقابل السلطات التشريعية والتنفيذية الموالية للإسلاميين في طرابلس، عملت في طبرق (شرق ليبيا)، بدعم من جيش خليفة حفتر، الجنرال في  جيش القذافي سابقا، حكومة معترف بها دوليا وبمجلس النواب الذي تم انتخابه في انتخابات عامة.

في الوقت نفسه، عملت الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور الليبي واعتمدت مشروع الدستور الليبي، في ظل الانقسام السياسي، مشروع الدستور بموافقة أكثر من ثلثي أعضاءها وذلك بعد 74 جلسة عامة للهيئة التأسيسية في يوليو 2017، والذي كان من المفترض أن يتم تنظيم استفتاء عليه، إلا أنه لم ينظم حتى وقتنا هذا.

في هذا الإطار، تعكس حرية الصحافة الواقع السياسي في ليبيا، إذ لا يمكن فصل حرية الصحافة في ليبيا عن الوضع السياسي والاقتصادي برمته. فبدون استقرار سياسي، فإن حرية الصحافة لا يمكن إلا أن تكون مهددة. إذ يتطلب الأمر مناخاً مناسباً لتحقيق تحسن في حماية حرية الصحافة وحقوق الإنسان بشكل عام.

فليبيا تاريخ طويل في تقييد حرية الرأي والتعبير واضطهاد حرية الصحفيين في التعبير عن آرائهم ومعارضتهم في عهد معمر القذافي. وبالرغم من مرور أكثر من عقد على ثورة فبراير، وتحسن مؤشرات حرية الصحافة بعد 2011، لا تزال ليبيا تتذيل قائمة التصنيف العالمي لحرية الصحافة، إذ تحتل اليوم المرتبة 149 من أصل 180 دولة، حسب تصنيف منظمة مراسلون بلا حدود، يتم تقييمها بناءً على عدد من المعايير كالضمانات الدستورية والقانونية للصحافيين، والإصلاح الهيكلي لقطاع الإعلام، وتزايد أعمال العنف والهجمات، والاعتداءات الجسيمة على الصحفيين والمؤسسات الصحفية.

يسلط التقرير الضوء على أهم جوانب تردي حرية الصحافة في ليبيا خلال الفترة الممتدة من 2014-2023 من خلال رصد وتحليل أهم التشريعات والنصوص القانونية الماسة بحرية الصحافة والصحفيين والبيئة المعادية التي تضع أصحاب المصلحة في خطر جدي.

توفر النصوص القانونية بشكلها الحالي إطاراً قانونياً لا يتماشى مع التزامات ليبيا الدولية، إلى جانب العديد من التشريعات التي تم سنها بعد ثورة فبراير 2011، لا تزال العديد من تشريعات النظام السابق في زمن القذافي سارية لليوم.

جميع هذه النصوص تحتوي مواداً فضفاضة وغامضة تفرض قيوداً على حرية التعبير بشكل عام وحرية الصحافة والصحفيين بشكل خاص وتوفر بيئة قانونية خصبة لسيطرة السلطة التنفيذية على وسائل الإعلام.

فبشكل عام الإطار القانوني في ليبيا في الوقت الحاضر ”غير متسق ومتناقض” في بعض الأحيان يحتوي الإطار القانوني على الكثير الأحكام التي تمنح “الدولة” الليبية صلاحيات تقديرية أكثر من اللازم للحد من حرية التعبير وتجريمها و التي تعتبر مشروعة بموجب القانون الدولي.

نتيجة لذلك، هناك حاجة ملحة إلى قيام الدولة بتعديل أو إلغاء القوانين القائمة التي تقيد التعبير بطريقة لا تتفق مع الإعلان الدستوري لعام 2011 والتزامات ليبيا الدولية في مجال حقوق الإنسان.

إلى جانب ذلك، فإن الوضع السياسي والأمني في ليبيا قود فرص وجود بيئة حامية لقطاع الصحافة يُضمن فيها حماية الصحفيين والمؤسسات الصحفية من الانتهاكات والاعتداءات ضدهم وتقديم مرتكبيها إلى العدالة.

فقد سجل المركز الليبي لحرية الصحافة العديد من الانتهاكات والاعتداءات ضد الصحفيين خلال الفترة التي يغطيها التقرير، الأمر الذي أدى إلى زيادة الرقابة الذاتية والاستقطاب في وسائل الإعلام.

كما أن الوضع السياسي الحالي أدى إلى تصاعد خطاب الكراهية والتحريض على العنف في المنابر الإعلامية ما قود التعددية وأجج مزيداً من الانقسام داخل المجتمع الليبي.

ويصدر تقرير المركز الليبي لحرية الصحافة بعد 10 سنوات من إنشائه، إذ يبني التقرير على أعمال المركز من رصد وتوثيق لحالات الانتهاكات وقراءته الخاصة بوضعية قطاع الصحافة بشكل عام وحرية الصحافة والصحفيين بشكل خاص.

و يبنى التقرير بناءً على تحليل المركز للإطار القانوني والمؤسسي الحالي المنظم لقطاع الصحافة وحرية الصحفيين وممارسات الجهات الرسمية وغيرها من الجهات غير الرسمية، ويقدم مجموعة من التوصيات التي تهدف لتحسين قطاع الصحافة وتعزيز وحماية حقوق وحريات الصحفيين والعمل الصحفي.

ويمكن القول بأن التقرير يكتسي أهميته بشكل أساسي من خلال رصده لما يمكن أن يشكل تحسناً أو تراجعاً لحرية الصحافة سواء كان ذلك في التشريعات أو السياسات والممارسات.

اضافةً الى أنه يوفر للمهتمين من صناع القرار والنشطاء والباحثين والإعلاميين أداة ومؤشر عن مدى تطور وضع حرية الصحافة بناءً على معطيات مبنية بشكل أساسي على أعمال الرصد التي يقوم بها المركز الليبي لحرية الصحافة.

استند الفريق العامل على إعداد هذا التقرير إلى المعلومات التي تم جمعها بالبحث المكتبي خاصة فيما يتعلق بتحليل الإطار القانوني والمؤسسي لقطاع الإعلام وحرية الصحافة والتي غطت الفترة الممتدة من 2014-2023.

كما اعتمد التقرير أيضاً على عمل المركز الليبي لحرية الصحافة على الرصد والتوثيق لحالات الانتهاكات الفردية التي قام بتسجيلها خلال الأعوام 2014-2020 كما هو موضح في الجزء الرابع من هذا التقرير، إذ تم مراجعة وتحليل البيانات التي وثقها المركز الليبي لحرية الصحافة خلال عمليات الرصد التي قام بها والمتعلقة بشكل أساسي بالمساس بحرية التعبير للصحفيين والانتهاكات المختلفة الواقعة عليهم خلال هذه الفترة.

شكل الإعلان الدستوري لعام 2011 أملاً في أن يؤسس لنظام سياسي مدني ديمقراطي مبني على التعددية الحزبية والتداول السلمي الديمقراطي للسلطة، ونظاماً تُحمى فيه الحريات بما في ذلك حرية التعبير والصحافة، فقد أكدت المادة 14 من الإعلان الدستوري على ضمان الدولة لـ ” حرية الرأي والتعبير الفردي والجماعي، وحرية البحث العلمي، وحرية الاتصال، وحرية الصحافة ووسائل الإعلام والطباعة والنشر…بما لا يتعارض مع القانون”.

ونصت المادة 7 في باب الحقوق والحريات من الإعلان الدستوري على دور الدولة في صون حقوق الإنسان وحرياته الأساسية. وبالرغم من عدم تحديد الإعلان الدستوري لمكانة المعاهدات والاتفاقيات الدولية في النظام القانوني الوطني، إلا أنها نصت على التزام الدولة بالانضمام للإعلانات والمواثيق الدولية والإقليمية ذات الصلة

في هذا الإطار، ليبيا طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية منذ 1976، والذي ينص في مادته 19 على حرية التعبير والرأي بما يشمل ذلك حرية التماس مختلف المعلومات والأفكار والآراء بحرية بما يشمل ذلك حول مسائل تتعلق بالشؤون العامة أو أي موضوع آخر، بما ينطوي على وجود صحافة حرة ووسائل إعلام أخرى قادرة على التعليق على المسائل العامة بدون رقابة أو قيد، وتضع المادة نفسها تقيداً للدولة الطرف وجميع أجهزتها التنفيذية والتشريعية والقضائية، بضرورة احترام وحماية وإعمال حرية الرأي والتعبير.

غير أن ممارسة هذا الحق تستلزم واجبات ومسؤوليات خاصة، ولذلك لا يمكن أن يكون الحق مطلقاً، إذ يمكن وضع قيود تتعلق أساساً باحترام حقوق الآخرين وسمعتهم، أو لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة والآداب العامة، ولا يمكن أن تنقلب العلاقة بين الحق والقيد أو بين القاعدة والاستثناء حسب تعبير اللجنة المعنية بالحقوق المدنية والسياسية. بالإضافة لذلك، فإن أي تقييد لهذه الحقوق لا بد أن يخضع لاختبارات تتعلق بالضرورة والتناسب، ولا يجوز تطبيقها إلا للأغراض التي وضعت من أجلها.

وفي نفس الاتجاه، لا بد أيضاً من التذكير بأن ليبيا طرف أيضاً في الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب 1986، والتي تنص مادته التاسعة على حرية الحصول على المعلومات والتعبير عن أفكاره وآراءه.

للوهلة الأولى، يمكن القول بأن المادة 14 تشكل حجر أساس للمنظومة القانونية الوطنية الليبية فيما يتعلق بضمان حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة ووسائل الإعلام، إلا أن المادة نفسها تحيل تنظيم هذه الحقوق إلى القانون، وهو أمر بديهي.

إلا أنه لا يوجد أي قانون إطاري ضامن لحرية الصحافة أو أي هيئة تنظيمية تضمن احترام حرية التعبير أو سلامة الصحفيين أو الحق في الحصول على معلومات موثوقة أو احترام التعددية الإعلامية والشفافية، الأمر الذي أفرغ الضمانة الدستورية من مضمونها. النصوص القانونية الماسة من حرية التعبير وحرية الصحافة متعددة، فبالإضافة للتشريعات المتعددة المقيدة لحرية الصحافة (أولاً) تعددت القرارات الحكومية المنظمة لحرية الصحافة في تقييدها وتقويضها (ثانياً).

بشكل عام، تميزت صناعة التشريع بعد الثورة، كما قبلها بتأزم وغياب الرؤية والسياسة التشريعية الواضحة، في غياب الدستور وفقدان آلية واضحة لاتخاذ القرارات تمكن مراقبتها ومراجعتها وعدم وجود محكمة دستورية وعدم تناسق التشريعيات كانت أحد أهم أسباب أزمة صناعة التشريعات قبل الثورة. ولا يمكن القول بانتهاء هذه المسببات بعد ثورة فبراير، إذ تميزت الفترة الانتقالية الليبية

اليوم تتكون المنظومة التشريعية الماسة بشكل أو بآخر بحرية التعبير وحرية الصحافة من قوانين سُنت في فترة ما قبل الثورة ولا تزال سارية حتى يومنا هذا، بالإضافة لذلك، فهناك تشريعات سُنت في فترة ما بعد الثورة، وهي أيضاً تشريعات مقيدة لحرية الصحافة والتي أفرغت الضمانة الدستورية الواردة في الإعلان الدستوري لعام 2011 من محتواها.

ولا يحاول التقرير مسح جميع هذه القوانين، بل ذكر أهمها تأثيراً على حرية الصحافة، خاصة تلك الصادرة خلال الفترة من 2014 لـ 2023 وهي الآتية:

بعض القوانين المقيدة لحرية التعبير بشكل عام وحرية الصحافة على وجه الخصوص يعود تاريخ اعتمادها لأكثر من خمسين عاماً ولا زالت سارية المفعول واستخدمت من السلطات ذات الصلة خلال العشرية الأخيرة ومنها:

قانون العقوبات لسنة 1953: 

يجرم قانون العقوبات الليبي مختلف أشكال التعبير بطريقة لا تتفق إلى حد كبير مع التزامات ليبيا الدولية في مجال حقوق الإنسان أو الإعلان الدستوري الصادر سنة 2011 وتعديلاته. وتشمل هذه الجرائم على سبيل المثال إهانة الموظفين العمومية أو الأمة الليبية أو العلم الليبي أو السلطات الدستورية أو الشعبية. كما يجرب القانون أي فعل غايته إثارة حرب أهلية في البلاد أو تفتيت الوحدة الوطنية. وفي نفس الإطار تجرم المادة 207 من قانون العقوبات الترويج بأي طريقة من الطرق نظريات أو مبادئ ترمي لتغيير مبادئ الدستور الأساسية أو النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية.

بالإضافة لذلك، يفرض قانون العقوبات الليبي عقوبات شديدة، بما في ذلك عقوبة الإعدام، إذ تفرض المادة 203 عقوبة الإعدام بتهمة السعي إلى إثارة حرب أهلية في البلاد وتفتيت الوحدة الوطنية، وتفرض المادة 207 أيضاً عقوبة الإعدام لمن يروج بأي طريقة نظريات أو مبادئ تهدف لتغيير مبادئ الدستور الأساسية. وتنص المادة 439 على أن الحد الأدنى للعقوبة ستة أشهر في حالة “الاعتداء على سمعة أي شخص بالتشهير”.

جميع هذه القيود المنصوص عليها في قانون العقوبات تمثل تهديداً حقيقيا لحرية التعبير بشكل عام ولحرية الصحافة على وجه الخصوص، فلا تتماشى مع المتطلبات المنصوص عليها في المعايير الدولية وخاصة بالمادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

 إذ لا تستجيب هذه الجرائم لمتطلبات الدقة الكافية التي يجب أن تصاغ بها القاعدة القانونية، ما يعطي هذا التجريم نطاق واسع يمكن أن يشمل الممارسة المشروعة لحرية الصحافة، حيث يجب أن تصاغ القاعدة القانونية بدقة كافية ويجب إتاحتها لعامة الجمهور، ولا يجوز أن يمنح القانون الأشخاص المسؤولين عن تنفيذه سلطة تقديرية مطلقة في تقييد حرية التعبير.

علاوة على ذلك، تولي اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في تعليقها عدد 34 حول المادة 19 أهمية كبيرة لقيود حرية التعبير والصحافة وترى أن اعتبار أشكال التعبير مهينة للشخصية العامة لا تكفي لتبرير فرض عقوبات.

فتجريم بعض الممارسات مثل انتقاد الجهات الرسمية وعدم احترام العلم والرموز لا ينبغي أن تشكل قيوداً على حرية التعبير والصحافة، وينبغي ألا يُحظر انتقاد المؤسسات الرسمية. 

لا بد هنا من التذكير بأن المحكمة العليا ” الدائرة الدستورية” قد قضت في الطعن رقم 5 الصادر بتاريخ 14 يونيو 2012 بعدم دستورية القانون رقم 37 لسنة 2012 وهو القانون الذي يستخدم عبارات فضفاضة لتجريم ” تمجيد الطاغية” وقد أكدت المحكمة على عدة مبادئ دستورية أهمها مبدأ التدرج التشريعي وشرعية التجريم وحرية الرأي والتعبير، وأن مخالفة أحكام الدستور لها عدة وجوه وهي أن يعارض حكمه أو يقيد مطلقه أو يخصص عامه، وهو ما يمكن وصفه بالنسبة لمختلف المواد الإشكالية سابقة الذكر في قانون العقوبات.

ولا بد في هذا الإطار التذكير بأنه سبق واستخدم قانون العقوبات في ملاحقة بعض الصحفيين خلال الفترة الممتدة من 2014-2023، إذ أن الحكم الصادر من إحدى محاكم الجنايات في ليبيا على رئيس تحرير صحيفة الأمة، عمارة الخطابي، بالسجن لمدة 5 سنوات لمزاعم بتشهيره بمسؤولين عموميين على خلفية نشر ” القائمة السوداء في القضاء” لأسماء 87 من القضاة وأفراد النيابة واتهامهم بقبول الرشاوى وغير ذلك من أوجه الكسب غير المشروع، تم بناءه من بين قوانين أخرى، على المادة 195 من قانون العقوبات.

قانون رقم 76 لسنة 1972 بشأن المطبوعات

يمكن القول بأن قانون رقم 76 لسنة 1972 بشأن المنشورات هو القانون الوحيد المنظم لفئة وحيدة من فئات الإعلام آلا وهي الإعلام المطبوع وقد سن هذا القانون، قبل مصادقة الجمهورية الليبية في وقته على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وقد اعتبرته اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في أكثر من مناسبة مقيداً لحرية التعبير ويفرض قيوداً صارمة على حرية الرأي والتعبير، وشجعت اللجنة أن تقوم بمراجعته لكي يتوافق بشكل عام مع مواد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

بالرغم  أنه من المفترض أي تشريع متعارض مع محتوى الإعلان الدستوري يعتبر لاغياً حسب المادة 35 من الإعلان الدستوري نفسه، وهو ما أكدته حكومة الوفاق الوطني التي ذكرت بأن التشريعات المتعارضة مع حرية التعبير والصحافة ومنها قانون المطبوعات، إلا أن السلطات الرسمية استخدمت القانون نفسه لدعوى وسائل الإعلام والصحفيين للتسجيل لديها واستخدمته أيضاً في حظر بعض الكتب.

ويطرح القانون عدة إشكاليات أساسية لعل أهمها هي فكرة الترخيص لعمل وسائل الإعلام بشكل عام و وسائل الإعلام المطبوعة بشكل خاص، إذ عبرت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة مراراً وتكراراً عن قلقها بشأن متطلبات الترخيص لوسائل الإعلام المطبوعة معتبرة أنها تشكل انتهاكاً للحق في حرية التعبير، إذ يسمح بسلطة تقديرية غير مقيدة لمنح أو رفض تسجيل المطبوعات وهو ما يخالف المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

بالرغم من أن القانون نفسه ينص على أنه ” لا يجوز فرض الرقابة على الصحف قبل نشرها”، إلا أن القانون جاء بمواد مخالفة لهذا المبدأ، إذ فرضت المادة 28 عرض ” كل مطبوعة أجنبية على إدارة المطبوعات وذلك قبل توزيعها”.

 وتضيف المادة 5 من القانون أن صاحب المطبوعة الدورية أو شبه الدورية يجب أن يكون “مؤمنا بالثورة العربية وملتزم بأهدافها ومبادئ العمل في الاتحاد الاشتراكي العربي” وهي ما يمكن أن نفهم منه الخط التحريري المسموح للمطبوعة.

أصدر مجلس نواب الشعب الليبي ما مجموعه الـ 62 قانوناً خلال الفترة الممتدة من 2014 إلى نهاية عام 2023 وتعلق العديد منها بتعديل قوانين كانت قد صدرت خلال الفترة نفسها، بعض هذه القوانين كانت متعلقة بشكل أساسي بحقوق الإنسان كقانون رقم 6 لسنة 2017 بشأن بالمصادقة على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وبعضها الآخر تعلق بتنظيم جرائم نوعية مثل الجرائم الإرهابية والجرائم الإلكترونية، والأخيرين يمسان بشكل مباشر في حرية التعبير بشكل عام وحرية الصحافة على وجه الخصوص:

قانون رقم 3 لسنة 2014 بشأن مكافحة الإرهاب.

لا ينص الإطار القانوني الحالي على تعريف شامل متعلق بمفهوم الإرهاب، إلا أن المقرر الخاص المعني بحماية حقوق الإنسان في سياق مكافحة الإرهاب، يرى أن توصيف الجريمة الإرهابية التراكمي على النحو الذي حدده مجلس الأمن في قراره 1566 لسنة 2004 يمثل محاولة لقصر تدابير مكافحة الإرهاب على الجريمة ذات الطبيعة الإرهابية الحقيقية.

فأي تعريف للجريمة الإرهابية يجب أن يستوفي العناصر التالية: (أ) ترتكب ضد أفراد من عامة السكان، أو شرائح منهم، بنية التسبب في الوفاة أو الإصابة الجسدية الخطيرة، أو أخذ الرهائن؛ (ب) ملتزمة لغرض إثارة حالة من الرعب، أو تخويف السكان، أو إرغام حكومة، أو منظمة دولية المنظمة للقيام بأي عمل أو الامتناع عن القيام به؛ و (ج) تتوافق مع جميع أركان الجريمة الخطيرة على النحو المحدد في القانون.

إلا أن التعريفات المعتمدة محلياً غالباً ما تكون غامضة وتميل استخدام تعاريف فضفاضة للغاية للإرهاب، وتنطوي هذه التعريفات وهذا التجريم على احتمال ارتكاب انتهاكات غير مقصودة لحقوق الإنسان أو أن تُستخدم، في بعض الأحيان، لاستهداف فئة بعينها كالمدافعين عن حقوق الإنسان أو المعارضة السياسية أو الصحفيين.

ولا يشكل التعريف المعتمد في قانون رقم 3 لسنة 2014 استثناء. إذ يعتمد القانون تعريفاً للإرهاب يمكن وصفه بأنه فضفاض وغامض لحد كبير. تعرف المادة 2 من القانون العمل الإرهابي، من ضمن أفعال أخرى، على أنه ” الإخلال الجسيم بالنظام العام، أو تعريض سلامة المجتمع، أو مصالحه، أو أمنه للخطر متى كان من شأن هذا إيذاء الأشخاص أو إلقاء الرعب بينهم”، يستخدم القانون رقم 3 مصطلحات فضفاضة لتوصيف الجريمة الإرهابية، الأمر الذي يمكن أن يشمل في بعض الأحيان الممارسة المشروعة لحرية التعبير وحرية الصحافة.

وفي نفس الاتجاه، تقوم بعض التشريعات بتجريم التحريض على الإرهاب كجريمة منفصلة، بالرغم من أن التحريض على ارتكاب جريمة هو جريمة بحد ذاته في أغلب القوانين الوطنية، إلا أن هذا النهج الاستباقي يسمح بمواجهة الأعمال الإرهابية ومنع التصرف ويتيح للدول ضمان المعاقبة على الجرائم الإرهابية بأحكام أطول، ولكن، وبشكل عام  إن عدم الدقة والتحديد في التنصيص على هذه الجريمة قد يؤدي لاتساع نطاقها لتشمل ممارسة مشروعة ومقبولة لحرية التعبير.

ولذلك، يجب على جريمة التحريض على الإرهاب: أولاً أن تحصر في التحريض على السلوك الإرهابي الفعلي؛ ثانياً، أن لا تفضي إلى تقييد حرية التعبير إلا بما هو ضروري؛ ثالثاً، أن تكون محددة بلغة دقيقة مع تجنب أي تعابير غامضة؛ رابعاً، أن تنطوي على خطر فعلي بارتكاب العمل الذي تم التحريض عليه؛ خامساً، أن تشير إلى القصد بإيصال رسالة والقصد بالتحريض على ارتكاب عمل إرهابي؛ سادساً،

أنيحفظ نصها حق إثارة الدفوع أو المبادئ القانونية التي تؤدي إلى استبعاد المسؤولية الجنائية عن طريق الإشارة إلى تحريض غير قانوني على الإرهاب.

وعلى خلاف المقبول في المعايير الدولية، يجرم القانون القيام ” بالدعاية والترويج أو التضليل للقيام بالعمل الإرهابي”، وذلك باستخدام تعريف واسع لا يحترم متطلبات القانون الدولي المتعلق بالحق في حرية التعبير وحرية الصحافة، إذ تعاقب المادة 15 بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات ولا تزيد عن عشر سنوات كل من قام “بالدعاية أو الترويج” أو التضليل للقيام بالعمل الإرهابي بأي وسيلة من وسائل البث. 

وينطوي هذا الفصل على خطر واضح بفرض قيود لا مبرر لها على حرية تعبير أفراد صحفيون أو مؤسسات صحفية يمارسون بصورة مشروعة وسليمة حقهم في حرية التعبير.   

قانون رقم 5 لسنة 2022 بشأن الجرائم الإلكترونية

اعتمد مجلس النواب الليبي القانون المتعلق بمكافحة الجرائم الإلكترونية في سبتمبر 2022، وذلك دون التشاور مع أصحاب المصلحة من صحفيين أو مؤسسات صحفية، أو مؤسسات النشر الإلكتروني، أو تقنية المعلومات. وتحدد المادة الثانية من القانون على أنه يهدف إلى حماية التعاملات الإلكترونية والحد من وقوع الجرائم ذات الصلة وذلك لتحقيق العدالة وحماية النظام العام والآداب العامة وحفظ الحقوق المترتبة على الاستخدام المشروع لوسائل التقنية الحديثة، إلا أن القانون يمكن أن يكون له تأثير خطير على التمتع بالحق في حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة، وقد دعت العديد من منظمات المجتمع المدني الليبية والدولية بسحب القانون وإلغاءه.

جاء القانون أولاً محتوياً لنصوص غامضة وغير محددة في أكثر من مادة وخاصة تلك المتعلقة بفرض عقوبات ومنها السجن. إذ تنص المادة 4 من القانون على أن استخدام وسائل التقنية الحديثة مشروع ما لم يترتب عليه مخالفة لـ “النظام العام أو الآداب العامة” وهو ما نصت عليه المادة الثانية من القانون. بالإضافة لذلك، تنص المادة 37 على عقوبات مالية والسجن لكل من بث إشاعة أو نشر بيانات تهدد ” الأمن والسلامة العامة في الدولة أو أي دولة أخرى”.

كما ينص القانون في مادته 7 أن للهيئة الوطنية لأمن وسلامة المعلومات إمكانية حجب كل ما ينشر ” النعرات أو الأفكار التي من شأنها زعزعة أمن المجتمع واستقراره”

ترك المشرع تفسير معنى مصطلحات غير معرفة مثل “النظام العام” أو ” الآداب العامة” و أمن المجتمع” وسلمه الاجتماعي” لجهات إنفاذ القانون ومنها الهيئة الوطنية لأمن وسلامة المعلومات، المنشأة بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 28 لسنة 2013، وهو الأمر الذي يخالف المعايير الدولية المتعلقة بتقييد حرية الرأي والتعبير، كما ذكرتها اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في تعليقها العام عدد 34 حول المادة 19 من العهد، إذ يتطلب أي تقييد على حرية التعبير أن ” يصاغ بدقة كافية حتى يتسنى للفرد ضبط سلوكه وفقاً لها”.

ويعطي القانون للهيئة الوطنية لأمن وسلامة المعلومات صلاحيات واسعة. إذ يمنح القانون للهيئة سلطة مراقبة ما يتم نشره عبر شبكة المعلومات الدولية، و يمنحها سلطة تقديرية واسعة في حجب كل ما من شأنه زعزعة أمن المجتمع واستقراره، كما يمكن للهيئة حجب المواقع أو الصفحات الإلكترونية المخلة بالآداب العامة ومنع الدخول أو الوصول إليها.

 بذلك، يصبح لدى الهيئة الوطنية، وحدها، سلطة تقدير ما من شأنه أن يؤثر في أمن المجتمع أو آدابه العامة

علاوة على ذلك، قد تمس أيضاً أحكام القانون بحقوق الصحفيين في التماس وتلقي ونقل المعلومات، إذ يقدم القانون بشكل واضح ما هي المعلومات أو المحتوى الذي يمكن أن يشكل تهديداً لأمن المجتمع أو سلامته وبذلك، فإن المحتوى مفتوح للتفسير ويمكن الاستناد إليه بشكل تعسفي ضد الصحفيين بشكل خاص والأفراد الذين يستخدمون الإنترنت بشكل عام.

في نفس الإطار، يعتبر حماية مصادر المعلومات و المبلغين عن المخالفات، أمر أساسي لضمان حرية التعبير، حيث تتمتع مصادر المعلومات و المبلغين عن المخالفات بحق نقل المعلومات إلى الآخرين بما في ذلك للجمهور بشكل عام. وقد يجوز وضع قيود على ذلك، إلا أن ذلك لا بد أن يلتزم بالشروط الصارمة لقيود الحقوق حتى لا تهدد الحق نفسه.

وقد تمنع بعض أحكام القانون الصحفيين من الوصول إلى المعلومات أو التواصل مع المبلغين عن المخالفات من أجل تبادل المعلومات التي تهم الشأن العام، حيث إن القانون يجرم الاعتراض أو التعرض، كما يجرم القانون التنصت بقصد الحصول على ” أسرار حكومية” ويعاقب عليها بالسجن المؤبد إذا تم نشر تلك الأسرار، وذلك دون تحديد لماهية هذه الأسرار ما يترك سلطة تقديرية واسعة لسلطات إنفاذ القانون.

أصدرت الحكومات الليبية المتعاقبة منذ 2014 العديد من القرارات التي تمس من قطاع الإعلام بشكل مباشر. وقد تميزت هذه القرارات بوفرتها. إلا أنها افتقرت، بشكل عام، لإطار تشريعي ينظم قطاع الإعلام ويضمن نهج تشاركي في إصلاح قطاع الإعلام والتعامل مع القضايا المختلفة التي تهم قطاع الإعلام والصحفيين بشكل خاص. كذلك، فإن غياب استراتيجية ذات أولويات واضحة بسبب الانقسام السياسي والمؤسسي أدى لتخبط وعدم تناسق القرارات الحكومية المنظمة لقطاع الإعلام في ليبيا. اليوم، هناك عدد كبير من القرارات التي لم تنفذ وبقيت حبراً على ورق، وغيرها التي نصت على إنشاء مؤسسات تهتم بقطاع الإعلام ووقع إلغاؤها بقرار آخر لحكومة تليها.

بالإضافة للعديد من القرارات الحكومية المتخبطة، وضعت الحكومات المتعاقبة العديد من الإجراءات التعسفية التي تحد من حرية الصحفيين الدوليين والمراسلين الليبيين العاملين بمؤسسات إعلام دولية بشكل خاص. فقد تم وضع سلسلة من 13 إجراء وجب على الصحافيين الدوليين والمراسلين الليبيين لمؤسسات الإعلام الأجنبية أن الالتزام بها إذا ما رغبوا في الحصول على اعتماد ” بطاقة مٌراسل دولي “أهمها التنسيق مع وزارة العمل والتأهيل، وتتطلب هذه الإجراءات جملة من الترتيبات الإدارية بداعي التنسيق مع عدة جهات وإدارات حكومية تتسبب في وضع عراقيل كثيرة نحو حرية الصحفيين وتأخير عملهم.

بسبب وفرة والعدد الكبير لهذه القرارات، لن يتطرق التقرير لكل القرارات، بل سيركز على أهمها والتي صدرت خلال الفترة 2014-2024 وذلك في محاولة لدراسة البعد القانوني لها ومدى مواءمتها مع الإعلان الدستوري لعام 2011 وتعديلاته والمعايير الدولية ذات الصلة.

القرارات المتعلقة بإنشاء المؤسسة الليبية للإعلام –القرار رقم 597 لعام 2020 والمتعلق بإنشاء المؤسسة الليبية للإعلام- والذي تم إلغاؤه بقرار رقم 116 لسنة 2021.

أصدر المجلس الرئاسي في حكومة الوفاق القرار 597 لعام 2020 والمتعلق بإنشاء المؤسسة الليبية للإعلام. على الرغم من أن القرار في المادة الأولى ينص على أن تكون للهيئة شخصية اعتبارية وذمة مالية مستقلة، إلا أنه يشير الى تبعيتها لمجلس الوزراء، كما أن المادة الثالثة والرابعة من هذه القرار تنصان على أن يتم تعيين كل من رئيس المؤسسة ونائبه بقرار من مجلس الوزراء. إن تعيين الرئيس ونائبه من قبل مجلس الوزراء يشكل تهديدا لاستقلالية المؤسسة، و يمنح السلطات صلاحيات في التحكم في سياساتها من خلال التعيينات، وعليه يجب أن يكون تعيين الأعضاء، والرئيس ونائب الرئيس، بطريقة تشاركية تضمن الاستقلالية وتعبر عن الكفاءات المهنية. كما أن الهيكل التنظيمي للمؤسسة يتم من خلال قرار من مجلس الوزراء.

تضع المادة السابعة من هذا القرار، مجموعة من القنوات الفضائية ومحطات الراديو، والمؤسسات الإعلامية تحت تبعية المؤسسة الليبية للإعلام، وهذا دليل واضح على محاولة السيطرة على المؤسسات الإعلامية وتوسيع نفوذ السلطات فيها وبسط سيطرة فصيل معين على المشهد الإعلامي، بشكل يخالف   المعايير الدولية الهادفة لتشكيل هيئات تنظيمية مستقلة في مجال الإعلام، يديرها أشخاص يتسمون بالكفاءة والنزاهة والاستقلالية .

إضافة إلى ذلك، تنص الفقرة التاسعة من المادة الخامسة على أنه من مسؤولية المؤسسة الليبية للإعلام السلطة في “تنظيم ومتابعة الخطاب الإعلامي بما ينسجم مع عقيدة وثقافة وتوجهات الشعب الليبي وحمايته من خطاب الفتنة والتحريض وترسيخ قيم المواطنة والحرية والديمقراطية والدولة المدنية والوحدة الوطنية” إن هذه الفقرة تعطي المؤسسة الليبية للإعلام سلطات تقديرية واسعة للتحكم في المحتوى الإعلامي بالشكل الذي قد يساء استعماله من قبل المؤسسة الليبية للإعلام، حيث أن هذه الفقرة استخدمت كلمات فضفاضة وواسعة مثل عقيدة وثقافة وتوجهات الشعب الليبي، دون تحديد المحظورات بشكل دقيق.

يتنافى هذا القرار مع مبادئ القانون الدولي والتي تم توضيحها عبر الفقرة 3 من المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية بالإضافة إلى أحكام الفقرة رقم 25 من التعليق العام رقم 34 والتي نصت على أنه   “يجب أن تصاغ القاعدة التي سوف تعتبر بمثابة ” قانون ” بدقة كافية لكي يتسنى للفرد ضبط سلوكه وفقاً لها ويجب إتاحتها لعامة الجمهور.

ولا يجوز أن يمنح القانون الأشخاص المسؤولين عن تنفيذه سلطة تقديرية مطلقة في تقييد حرية التعبير، ويجب أن ينص القانون على توجيهات كافية للمكلفين بتنفيذه لتمكينهم من التحقق على النحو المناسب من أنواع التعبير التي تخضع للتقييد وتلك التي لا تخضع لهذا التقييد. كما أنه يجب تحديد المعنى المقصود من خطاب الفتنة والتحريض والحرص على عدم تضارب هذه القيود مع حرية التعبير كما نصت عليها الفقرة 30 من التعليق العام رقم 34.

وعلى الرغم من أن القرار 597 لسنة 2020 تشوبه العديد من الفجوات التي يمكن أن تؤثر على استقلالية المؤسسة ويمكن أن يؤثر سلباً على قطاع الإعلام وحرية الصحافة، إلا أنه من الواضح أن هنالك تجاهل لقطاع الإعلام، إذ لم يتم العمل على إجراءات أو أي إصلاحات حقيقية لتعزيز دور المؤسسات الإعلامية العمومية، وتم ترك قطاع الإعلام دون هيئة تنظيمية يديرها أشخاص أكفاء مستقلين. فقد تم إلغاء إنشاء قرار إنشاء المؤسسة الليبية للإعلام بقرار رقم 116 لسنة 2021 ونقل ملكية المؤسسات الإعلامية الى جهات حكومية مجلس الوزراء، كما هو منصوص عليه في المادة الثانية من القرار نفسه

إلا أن الحكومة المكلفة من النواب قررت إنشاء المؤسسة الليبية للإعلام وتكليف محمد بعيو برئاستها وذلك خلال اجتماعها في 1 يونيو 2023 وذلك بحسب ما جاء على صفحتها على الفيس بوك. وقد حاول الفريق العامل على هذه التقرير الحصول على عدد القرار أو نسخة من قرار إعادة الإنشاء، إلا أنه لم يجده.

هذا التخبط الواضح في القرارات الحكومية فيما يتعلق بإنشاء المؤسسة الليبية للإعلام من عدمه هو مثال عن تخبط في تنظيم وإدارة القطاع الإعلامي وحرية الصحافة خلال السنوات الماضية وهو التمشي الذي اعتمدته الحكومات المتعاقبة في التعامل مع أحد أهم الملفات ما بعد ثورة فبراير. ويمكن القول بأن ذلك يعود بشكل أساسي لعدم وجود إطار تشريعي منظم للقطاع الإعلامي بصورة تضمن التشاركية والنزاهة، وغياب استراتيجية واضحة للحكومات المتعاقبة بسبب الانقسام السياسي والمؤسسي الذي تشهده ليبيا منذ 2014.

الهيئة العامة لرصد المحتوى الإعلامي – القرار رقم 752 لسنة 2021

أما بما يخص القرار رقم 752 لسنة 2021 المتعلق بإنشاء الهيئة العامة لرصد المحتوى الإعلامي، فإن القرار ينتقص الى التحديد والوضوح في تعريف الخروقات، حيث أن القرار يشير في المادة السادسة إلى “تجاوزات المحتوى الإعلامي” دون تحديد وتوضيح واضح لأنواع التجاوزات المحظورة، هذا يمكن أن يؤدي إلى فهم غير واضح لنطاق صلاحيات الهيئة والإجراءات المتوقعة.

كما أن هذا القرار يؤثر على حرية التعبير حيث انه قد قيوداَ حيث تنص المادة السادسة على أن الهيئة قد تتخذ تدابير قانونية ضد الوسائل الإعلامية المخالفة، وهذا قد يثير مخاوف حول إمكانية فرض قيود على حرية التعبير وحق الوصول إلى المعلومات خصوصا انه لم يتم تحديد نوع وشكل الاجراءات التي يستوجب اتخاذها.

في هذا الصدد، تكمن هنا ضرورة التوازن بين حقوق الإنسان وحق الهيئة في تنظيم المحتوى الإعلامي، وضمان أن التدابير المتخذة تلتزم بالأمانة الفكرية والقوانين الدولية لحقوق الإنسان.

بالإضافة لذلك، في المادة 6 من القرار ذاته تفوض المجلس للنظر في “مهام أخرى” وفقًا للتشريعات النافذة دون تحديد وتفصيل لتلك المهام، مما يمكن أن يؤدي إلى استخدام التشريعات بشكل غير محدد أو متناقض. بالإضافة الى نقص في شفافية الهيئة، حيث يفتقر القرار إلى توضيح حول كيفية اتخاذ القرارات ونشرها للجمهور، مما يؤثر على شفافية العمل وثقة الجمهور. كما أن القرار يفتقر إلى آلية تطبيق، حيث من الضروري وجود إطار زمني وآلية لتنفيذ القرار، بما في ذلك مواعيد استئناف وتطبيق القرارات، لضمان فاعلية الهيئة.

أما بما يتعلق باستقلالية المجلس، فإن القرار يُشير في المادة الأولى إلى استقلالية المجلس، ولكن يجب ضمان أن يكون هذا الاستقلال محميًا وألا تتدخل السلطات الحكومية فيه بطريقة غير مشروعة، هذا عدا عن تناقض القرارات كما هو مشار اليه في المادة 7 من القرار ذاته والتي نصت على أن المجلس يصدر قراراته بالأغلبية، وفي حالة التساوي يرجح الجانب الذي منه الرئيس، مما يفتح الباب أمام تناقضات وقرارات غير مستقلة.

القرار يتنافى مع القانون الدولي وخصوصا ً الفقرة 15 من التعليق العام رقم 34 والتي نصت على ” وينبغي للدول الأطراف أن تأخذ في الحسبان مدى تأثير التطورات التي طرأت على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، مثل نظم نشر المعلومات الإلكترونية القائمة على خدمات الإنترنت والهاتف النقال، في إحداث تغيير كبير في ممارسات الاتصال حول العالم. وتوجد اليوم شبكة عالمية لتبادل الأفكار والآراء لا تعتمد بالضرورة على الوسطاء التقليدين ل وسائط الإعلام الجماهيري. وينبغي للدول الأطراف أن تتخذ جميع التدابير الضرورية لتعزيز استقلال هذه الوسائط الإعلامية الجديدة وأن تضمن سبل وصول الأفراد إليها.”

القرار رقم 811 لسنة 2022 بشأن اعتماد الشروط والضوابط الخاصة بمزاولة النشاط الإعلامي

أصدر قرار مجلس الوزراء قرار رقم 811 لسنة 2022 م بشأن اعتماد الشروط والضوابط الخاصة بمزاولة النشاط الإعلامي. إن هذا القرار يعتبر تهديداَ حقيقياً لحرية الصحافة والإعلام في ليبيا وتعددها، كما أنه يسمح للسلطات العسكرية والأمنية التدخل في تنظيم وسائل الاتصال السمعي والبصري.

من الجدير بالذكر أن القرار تضمن شروطاً عديدة متعلقة بالموافقات الأمنية أو موافقة جهاز المخابرات  كشرط للحصول على تراخيص أو أذونات مزاولة المهنة  على القنوات المسموعة والقنوات المرئية فضائية أو أرضية الخاصة والتي يكون مقرها داخل الدولة الليبية، القنوات المرئية فضائية أو أرضية والمسموعة التابعة للجهات العامة والتي يكون مقرها داخل الدولة الليبية، القنوات المسموعة أو القنوات المرئية فضائية أو أرضية التابعة لإحدى منظمات المجتمع المدني أو إحدى الجمعيات أو المؤسسات، كما هو موضح في المادة الثانية من  القرار.

إضافة إلى ذلك، نصت المادة الثانية على حصول الموافقة من جهاز المخابرات الليبية إلى جانب الموافقة الأمنية في حالة تبعية القناة المسموعة أو القناة المرئية فضائية أو أرضية لإحدى الشركات الأجنبية أو إحدى الجهات العاملة خارج ليبيا وكذلك مقرها خارج ليبيا وترغب في فتح مكتب أو فرع أو نشاط لها داخل الدولة الليبية.

إنالقرار رقم 811 لسنة2022، لم ينص صراحة على استقلالية اللجنة المكلفة بإعطاء الأذونات والتراخيص، بل من الواضح أن اللجنة المخصصة بإعطاء الأذونات تقع تحت إشراف إدارة الإعلام والتواصل الحكومي بديوان مجلس الوزراء بالإضافة الى حضور قوي للأجهزة الأمنية داخلها. إضافة الى ذلك، لم يشمل القرار أي تعديل على الرسوم المتعلقة بأذونات المزاولة في حالة استخراج إذن مزاولة وذلك أيضا في حالة التجديد حيث إن هذه الرسوم تتراوح بين 100.000دينار و150.000 دينار للقنوات المرئية أي ما يعادل 20.000دولار أمريكي -30.000 دولار أمريكي، أما بما يتعلق بالقنوات المسموعة فإن الرسوم تتراوح بين 35.000 دينار الى 55.000 دينار أي ما يعادل 7000 دولار أمريكي – 11000 دولار أمريكي. هذا كله عدا عن رسوم التجديد الملزم دفعها سنوياً لتجديد الترخيص. هذا كله من شأنه أن يضع العراقيل أمام المؤسسات الإعلامية ويقف عائقا أمام استمراريتها إن لم تحصل على الموافقة الأمنية أو موافقة أجهزة المخابرات، أو في حالات عدم قدرة المؤسسات الإعلامية من دفع الرسوم.

إن هذا القرار الذي من المفترض أن يحمي وينظم وسائل الاتصال السمعي والبصري، بهدف ضمان تعددية المشهد الإعلامي ونزاهته، وانتهى به الأمر الى فتح المجال أمام سيطرة الحكومة على قطاع الإعلام، وفرض تهديدات عليها بالإغلاق.

إنالقرار 811 لسنة 2022لم يتطرق الى الأذونات الفردية لمزاولة المهنة، ويتعارض مع القانون الدولي وخصوصا الفقرة 44 من التعليق العام رقم 34 والذي نص على أن ” الصحافة مهنة تتقاسمها طائفة واسعة من الجهات الفاعلة، بمن فيها المراسلون والمحللون المحترفون والمتفرغين فضلاً عن أصحاب المدونات الإلكترونية وغيرهم ممن يشاركون في أشكال النشر الذاتي المطبوع أو على شبكة الإنترنت أو في مواضع أخرى، وتتعارض النظم الحكومية العامة لتسجيل الصحفيين أو الترخيص لهم مع الفقرة 3…. الخ”  إن تجاهل الصحفيين كأفراد يعتبر مخالفة للمادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والمبادئ المذكورة في التعليق العام رقم 34.

كما أن الموافقات الأمنية وموافقة أجهزة المخابرات تتعارض مع الفقرة 40 من التعليق العام رقم 34 والتي تنص على “نظراً لتطور وسائط الإعلام الجماهيري الحديثة، يلزم اتخاذ تدابير فعالة لمنع فرض هذه الرقابة على وسائط الإعلام بشكل يتعارض مع حق كل فرد في حرية التعبير” . وينبغي للدولة ألا تفرض رقابة احتكارية على وسائط الإعلام وينبغي لها أن تعزز تعددية تلك الوسائط. ونتيجة لذلك، ينبغي للدول الأطراف أن تتخذ التدابير المناسبة بما يتسق مع العهد، لمنع أي هيمنة غير ملائمة في وسائط الإعلام أو منع تمركز مجموعات إعلامية مملوكة للقطاع الخاص في أوضاع احتكارية قد تضّر بتنوع المصادر والآراء”  في هذا الصدد” ان طلب الحصول على الأذونات من قبل أجهزة أمنية وأجهزة المخابرات يعتبر تعدياً من قبل السلطات على القطاع الإعلامي ويفتح المجال أمام تدخل واسع من قبلهم في نوعية وتعددية المشهد الإعلامي. 

تنص الفقرة الرابعة منالمادة 4 لقرار 811 لسنة 2022 أنه ” إذا خالف صاحب الترخيص أو إذن المزاولة إحدى النقاط المنصوص عليها في مجموعة الضوابط الإعلامية فإنه يعرض نفسه لخطر سحب الترخيص أو إذن المزاولة” إن الضوابط المذكورة في هذه الفقرة، تحتوي على عبارات فضفاضة تمنح السلطات سلطات تقديرية واسعة في تفسيرها كعبارات (الكراهية، العنف، الإرهاب، وحدة التراب الليبي….) في حقيقة الأمر أن هذه العبارات بحاجة لأن تكون دقيقة مفسرة بشكل أكبر حتى لا يتم منح الحكومة سلطات تقديرية تدفعها الى انتهاك حرية الصحافة والإعلام، وهذا الأمر يتعارض مع المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية والتعليق العام رقم 34 الذي نص في فقرته رقم 25 على” أنه يجب أن تصاغ القاعدة التي سوف تعتبر بمثابة ” قانون ” بدقة كافية لكي يتسنى للفرد ضبط سلوكه وفقاً لها، ويجب إتاحتها لعامة الجمهور. ولا يجوز أن يمنح القانون الأشخاص المسؤولين عن تنفيذه سلطة تقديرية مطلقة في تقييد حرية التعبير….”

القرار رقم 4 لسنة 2022 بشأن اعتماد مدونة للسلوك المهني الإعلامي

في إطار العمل على تطوير وتنظيم العمل في قطاع الإعلام، قام الهيئة العامة لرصد المحتوى الإعلامي بإصدار قرار رقم 4 لسنة 2022 بشأن اعتماد مدونة للسلوك المهني الإعلامي. حيث تنص المادة الأولى من القرار على اعتماد مدونة السلوك كمرجعية أساسية لعمل الهيئة العامة لرصد المحتوى الإعلامي عند تنفيذ مهام الرصد والتقييم.

بالإضافة إلى أن القرار أعطى الهيئة صلاحيات تجيز لها الاستناد إلى مرجعية سابقة، أو لاحقة للمدونة، أو اعتماد قرارات، أو مذكرات، تفاهم، أو محاضر اتفاق كمرجعية مضافة للمدونة ضمن مهام الهيئة عند الرصد والتقييم بشرط ألا تتعارض مع المبادئ الأساسية للمدونة.

من الجدير بالذكر أن مدونة السلوك المعتمدة من قبل الهيئة العامة لرصد المحتوى الإعلامي متناغمة مع المبادئ الأساسية للقانون الدولي لحقوق الإنسان وحرية الصحافة والإعلام، وأن اعتماد هذه المدونة كمرجع ومنظم للعمل الإعلامي تبدو خطوة جيدة في مسار تنظيم القطاع الإعلامي في ليبيا، ولكنها لا تغني عن وجود القوانين والقرارات المنظمة، حيث إن المدونة تتشكل من مجموعة من المبادئ الواجب التقيد بها، ومراعاتها في أثناء العمل في القطاع الإعلامي، دون ذكر آليات رقابة أو عقوبات قد تنطلي عند عدم الالتزام بها، واكتفت بالقول إنه من الممكن أن يترتب عقوبات يحدّدها القانون على عدم التقيّد بمضمونها، دون تحديد للقانون المعمول به، ولا العقوبات المفروضة.

مع تزايد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، أصبح هناك خط رفيع يفصل بين ممارسة حقوق الإنسان وتحول هذه الحرية إلى “خطاب الكراهية”، الذي يشكل تحديًا للمجتمعات الحديثة، حيث يتيح للأفكار المتطرفة والتحيز الظهور بشكل أكبر، ويؤدي دورا كبيراً في تأجيج الصراعات والنزاعات في الدول.

الدولة الليبية دولة طرف في الاتفاقيات والمواثيق الدولية على حظر التحريض على التمييز أو العداء أو العنف. وعلى الرغم من أن الدعوة أو التحريض على التمييز أو العداء أو العنف هو أمر مخالف، ويعاقب عليه القانون، إلا أنه لا يوجد تعريف دقيق لخطاب الكراهية، وأن هذا المفهوم ظل محل نزاع واسع. ومن هنا وضعت الأمم المتحدة إستراتيجية عملت على تعريف خطاب الكراهية، حيث وصفته على أنه “أي نوع من التواصل، الشفهي أو الكتابي أو السلوكي، الذي يهاجم أو يستخدم لغة ازدرائية أو تمييزية بالإشارة إلى شخص أو مجموعة على أساس الهوية، وبعبارة أخرى، على أساس الدين أو الانتماء الإثني أو الجنسية أو العرق أو اللون أو النسب أو النوع الاجتماعي أو أحد العوامل الأخرى المحدد للهوية.” فخطاب الكراهية هو تمييزي بالأصل أي بمعنى أنه متحيز ومتعصب وغير متسامح، بالإضافة إلى أنه احتقاري ومهين للأفراد أو المجموعات.

في هذا السياق، وعلى الرغم من مرور عقد من الزمن على الثورة الشعبية في ليبيا ضد نظام معمر القذافي، إلا أن الدولة الليبية دخلت في عدة صراعات وانقسامات سياسية الأمر الذي جعل ليبيا مسرحاً للصراع بين القوى المتنافسة على السلطة. لقد انعكست هذه الانقسامات على المشهد الإعلامي في ليبيا، حيث إن القنوات الإعلامية أصبحت منحازة لجهات معينة وأبواقاً لأجندتها السياسية، الأمر الذي دفع بعض هذه القنوات إلى أن تصبح مصدراً لبث خطاب الكراهية والتحريض على العنف وتزييف الحقائق؛ مما أسهم في تأجيج الصراعات. وعلى الرغم من أن الإعلام الليبي يعد عنصراً حيوياً في الساحة السياسية، إلا أن الوضعية الحالية تتسم بتشابك الأصوات الإعلامية، حيث يفتقد القطاع إلى إطار قانوني واضح يضع حدود الحرية الإعلامية، ويضع آليات لمواجهة التحريض ونشر المعلومات الكاذبة.

عمل المركز الليبي لحرية الصحافة على رصد خطاب الكراهية، خلال تغطية النزاعات المسلحة والأحداث الإرهابية، وقد رصد على سبيل المثال، ما يقارب 3525 إخلالاً في فترة الرصد الممتدة لفترة 4 شهور من النصف الأول لعام 2017، وهذه الإخلالات تنوعت بين تنميط ووصم، تحريض، سب وشتم، تمييز على أساس اللون والجنس أو مختلف الانتماءات، دعوة إلى القتل، التكفير، دعوة إلى العنف، بالإضافة إلى اتهامات دون أدلة. في ذات السياق، أن أغلب القنوات الإعلامية الليبية اليوم تقوم بتبني الخطابات المبنية على الكراهية، إذ في تقرير نشره المركز الليبي لحرية الصحافة حول خطاب الكراهية في المنصات الإعلامية الليبي، وجد المركز أن نسبة 72% من الإخلالات المهنية تتعلق بخطاب الكراهية بعدد تكرارات قارب الـ 9 آلاف إخلال، مقابل نسبة 28% للإخلالات المتعلقة بالأخبار الكاذبة بعدد تكرارات 3500 إخلال.

هذه الإخلالات تعتبر خطيرة، وتعكس واقع ودور وسائل الإعلام الليبي في تأجيج النزاع المسلح في ليبيا. حيث إن هذه الإخلالات المهنية وخطاب الكراهية في وسائل الإعلام الليبية، وغيرها من الممارسات الغير مهنية وغير المحتكمة لمبادئ العمل الصحفي، تحول الإعلام لسلاح يهدد الأمن والسلم المجتمعي، وتعكس فكرة أن الإعلام الليبي هو إعلام مسيس بالمقام الأول.

إن ما يحدث في الإعلام الليبي يمكن إرجاعه إلى عدة أسباب، أهمها هو غياب التشريع القانوني المنظم لوسائل الإعلام في ليبيا، على الرغم من المحاولات العديدة التي قامت بها الحكومات لوضع إطار قانوني منظم لوسائل الإعلام على وجه الخصوص، إلا أن المحاولات جميعها كانت تفتقر إلى العديد من الأمور الجوهرية التي من شأنها أن تضع النقاط على الحروف، وتخلق بيئة إعلامية نزيهة ومحايدة، وكانت تفتقر في أغلب الأوقات إلى بعض الأمور الجوهرية، والتي تتيح للسلطة السياسية التدخل في تركيبة وصلاحيات المؤسسات الإعلامية، الأمر الذي يعد مخالفا للقانون الدولي وانتهاكا لحرية الصحافة والإعلام. بالإضافة إلى عدم وجود نصوص جنائية تحرم خطاب الكراهية بالشكل الذي يتوافق مع القانون الدولي دون استخدام العبارات الفضفاضة التي تهدف إلى تقييد حرية الإعلام والتعبير.

في هذا الصدد، أصدرت الحكومة عدة قرارات على مر السنوات السابقة، والتي كان أهمها قرار رقم 1625 لسنة 2018، والذي يتناول إنشاء المرصد الوطني للفضاء السمعي البصري في ليبيا، والقرار رقم 752 لسنة 2021 المتعلق بإنشاء الهيئة العامة لرصد المحتوى الإعلامي، والقرار رقم 811 لسنة 2022 م بشأن اعتماد الشروط والضوابط الخاصة بمزاولة النشاط الإعلامي… وغيرها.

إن هذه القرارات لم تشكل حلاً جذرياَ لمشكلة خطاب الكراهية الموجود في الإعلام الليبي، وهذا يعود إلى مجموعة من الأمور التي تشكل عاملاً مساهماً في عملية نشر خطاب الكراهية، ومن هنا تجدر الإشارة إلى أن امتلاكاً من قبل أطراف النزاع وعدم وجود إعلام مستقل يشكل عاملاً أساسياً في تأجيج الصراع ونشر خطاب الكراهية، حيث إن أغلب هذه القنوات تكون منحازة لأحد أطراف النزاع، الأمر الذي يدفعهم إلى التركيز على وجهة النظر الموالية لهم فقط من دون التطرق لوجهات النظر الأخرى، وقد يذهب الأمر إلى أبعد من ذلك، من خلال تبني روايات مغلوطة تخدم مصلحة الطرف الموالين له. على سبيل المثال، تقوم بعض القنوات الفضائية بنشر أخبار كاذبة، ونسبها إلى شاهد عيان، الأمر الذي يتضح لاحقا أنه خاطئ، وهذا يتعارض مع أخلاقيات وأدبيات المهنة. إضافةَ إلى ذلك، إضافة إلى ذلك أن الكثير من القنوات الفضائية في ليبيا تابعة لمجموعة من الدول الخارجية، والتي تنفذ أجنداتها في ليبيا، وهذا الأمر يعد عاملاً أساسياً في نشر خطاب الكراهية وعدم نزاهة وحيادية الإعلام في ليبيا.

فضلا عن ذلك، لقد عملت العديد من وسائل الإعلام الليبية برعاية منظمات أممية كمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) في عام 2015 على صياغة وثيقة التزام مهني وأخلاقي تدعو إلى عدم تحويل المحطات الإعلامية إلى منابر للكراهية والتحريض على العنف، والتمسك بمبدأ ثقافة الحوار وحرية التعبير والاختلاف، وقد نشأ فيما بعد ميثاق شرف للصحفيين والإعلاميين الليبيين وقت الأزمات، حيث يعتبر أن ميثاق الشرف المذكور أعلاه، والذي تضمن 15 بنداً تتعلق بالدعوة إلى الالتزام بالمبادئ جاءت في وثيقة الالتزام المهني والأخلاقي، بالإضافة إلى العديد من النقاط المتعلقة بالدعوة إلى المصالحة الوطنية ورفض الإقصاء والإبعاد، والالتزام بالمعايير الأخلاقية المرعيّة في أثناء الحروب والأزمات، وغيرها العديد من النقاط المتعلقة بتنظيم قطاع الإعلام.

إن ميثاق الشرف هذا يعتبر تأكيداً من قبل المؤسسات الإعلامية على أن الصحافة والإعلام هي أمانة وضمير، والبنود المذكورة في الميثاق ما هي إلا ترجمة لهذه القيم التي يجب أن يحظى بها الإعلامي، وتمارسها القنوات الإعلامية، ولكن إن هذا الميثاق لم يشكل حلاً جذرياَ لمشكلة خطاب الكراهية الموجود في الإعلام الليبي ودوره في تغذية النزاعات، وهذا يعود إلى مجموعة من الأمور التي تشكل عاملاً مساهماً في عملية الإخلالات المتعلقة بالنزاعات والحروب ونشر خطاب الكراهية.

 ومن هنا تجدر الإشارة إلى عدم حيادية الإعلام يشكل عاملاً أساسياً في تأجيج الصراع ونشر خطاب الكراهية، حيث إن أغلب هذه القنوات تكون منحازة لأحد أطراف النزاع، الأمر الذي يدفعهم إلى التركيز على وجهة النظر الموالية لهم فقط من دون التطرق لوجهات النظر الأخرى، وقد يذهب الأمر إلى أبعد من ذلك، من خلال تبني روايات مغلوطة تخدم مصلحة الطرف الموالين أو المنحازين له. على سبيل المثال، تقوم بعض القنوات الفضائية بنشر أخبار كاذبة، ونسبها إلى شاهد عيان، الأمر الذي يتضح لاحقا أنه خاطئ، وهذا يتعارض مع أخلاقيات وأدبيات المهنة. إضافةَ إلى ذلك، أن الكثير من القنوات الفضائية في ليبيا تابعة لمجموعة من الدول الخارجية، والتي تنفذ اجنداتها في ليبيا، وهذا الأمر يعد عاملاً أساسياً في نشر خطاب الكراهية وعدم نزاهة وحيادية الإعلام في ليبيا.

ولقد زادت حدة ذلك الخطاب الخطير في ظل الفوضى التي يعيشها قطاع الإعلام بسبب غياب السلطات المختصة الشرفة على وسائل الإعلام وعدم وجود لوائح لتنظيم الإعلام، فعلى الرغم من أن إصدار القوانين الكثيرة المتعلقة بتنظيم قطاع الإعلام، إلا أنها كانت تعاني التخبط، الأمر الذي يستدعي إنشاء مؤسسة أو مجلس وطني مستقل للإعلام، لضمان استقلاليته، ولكي يكون الإعلام بعيدا عن الأيدولوجيات الأطراف السياسية المختلفة، كما أنه يجب اتخاذ وتنفيذ إجراءات صارمة ومحددة قانونياُ لإيقاف خطاب الكراهية والحقد من خلال وقف بث القنوات الفضائية التي تبث الفتن الطائفية، وتحرض الانقسام والكراهية والعنف، وتؤدي أدوار مشبوهة داخل الدولة الليبية

إن الحالة التي وصل إليها الإعلام الليبي، تستوجب تدخلاً عاجلاً من الحكومة من خلال اتخاذ العديد من الإجراءات التي يمكن اتخاذها لوقف خطاب الكراهية، فبالإضافة إلى خلق آليات رصد ورقابة على الإعلام، ووضع إطار قانوني منظم دون التأثير الزائد على حقوق الخصوصية، وتطبيق عقوبات عادلة ومتوازنة عند الضرورة، على الحكومة الليبية أن تقوم بتعزيز التوعية والتربية في المجتمع حول أخطار خطاب الكراهية وتأثيره، وتكريس جهود في التربية لتعزيز الاحترام المتبادل والتسامح. كما أنه يقع على عاتق الحكومة تعزيز الشفافية من خلال تشجيع ودعم وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي لتكون شفافة في نقل الأخبار وتجنب التحريض ونشر المعلومات الكاذبة، وتشجيع ثقافة الحوار والتفاهم، وذلك من أجل تعزيز الحوار البناء والتفاهم بين مختلف الجماعات والفئات في المجتمع للتقليل من التوترات وتعزيز التضامن الاجتماعي. كما أن تشجيع المشاركة المجتمعية بين مكونات المجتمع المدني والهيئات الحقوقية في تطوير سياسات مكافحة خطاب الكراهية وضمان تمثيل متوازن للمجتمع يمكن يحقق التوازن المطلوب بين مكافحة خطاب الكراهية وحماية حرية التعبير الأمر الذي يعد تحديًا حقيقياً، ولكن التناغم بين الحماية القانونية والتوعية المجتمعية يمكن أن يسهم في تحقيق هذا الهدف.

لليبيا تاريخ طويل لتقييد حرية الرأي والتعبير واضطهاد الصحفيين، فعلى الرغم من أن الإعلان الدستوري لعام 2011 أعطى أملاً بتأسيس نظام ديمقراطي، إلا أن القوانين المقيدة لحرية الصحافة كانت وما زالت تشكل تهديداً لحقوق الإنسان، وهذا ما يتضح جليّاَ في العديد من التشريعات مثل قانون العقوبات لسنة 1953 وقانون المطبوعات رقم 76 لسنة 1972، وقانون رقم 5 لسنة 2022 بشأن الجرائم الإلكترونية، وغيرها من القوانين التي تعتبر مقيدة لحرية التعبير والصحافة، حيث إن عادة ما تستعمل هذه القوانين عبارات فضفاضة وعبارات غامضة تسمح للسلطات بارتكاب الانتهاكات، الأمر الذي يشكل انتهاكاً لحرية التعبير والصحافة، ويجعل الضمانات الدستورية فارغة من المحتوى الأمر الذي يعرض حرية الصحافة في ليبيا للخطر.

كما أن واقع الإعلام في ليبيا بعد التحولات التي شهدتها البلاد قد تغير بشكل جذري، ولكنه لا يزال صعبًا ومعقداً، وأصبح محكومًا بالتشابكات السياسية والانقسامات، مما أثر سلبًا على حرية الصحافة وتعددية المشهد الإعلامي، فعلى الرغم من وجود عدد كبير من وسائل الإعلام داخل البلاد، إلا أنها تعاني التحكم السياسي والتوجهات المسيّسة.

إضافة إلى ذلك، أن المحاولات العديدة من إصدار قرارات متعلقة بتنظيم قطاع الإعلام والصحافة في ليبيا في الفترة الزمنية الممتدة من عام 2014 ولغاية 2024 شكلت تحديات وعقبات عديدة لحرية الصحافة والإعلام، حيث يظهر أن هذه القرارات قد تم تصميمها وصياغتها بطريقة تسببت في تقليص استقلالية المؤسسات الإعلامية، وبطريقة تتيح السيطرة عليها، وهو ما يتعارض مع الإعلان الدستوري لعام 2011، ويخالف أيضاُ المعايير الدولية لتعزيز حرية الإعلام وتعددية المشهد الإعلامي.

إن الفوضى التي يعيشها قطاع الإعلام بسبب غياب السلطات المختصة المشرفة على وسائل الإعلام وعدم وجود لوائح لتنظيم الإعلام، أدت إلى زيادة حدة خطاب الكراهية، وتغذية النزاع في ليبيا، على الرغم من أن إصدار القوانين الكثيرة المتعلقة بتنظيم قطاع الإعلام، إلا أنها كانت تعاني التخبط، الأمر الذي اتضح جليّاً في حجم الإخلالات المهنية، وخصوصاً تلك المتعلقة بالنزاعات والحروب، كما أن الحالة التي وصل إليها الإعلام الليبي، تستوجب تدخلاً عاجلاً من الحكومة من خلال اتخاذ العديد من الإجراءات التي يمكن اتخاذها لوقف خطاب الكراهية وتغذية النزاعات، فبالإضافة إلى خلق آليات رصد ورقابة على الإعلام، ووضع إطار قانوني منظم دون التأثير الزائد على حقوق الخصوصية، وتطبيق عقوبات عادلة ومتوازنة عند الضرورة، على الحكومة الليبية وكافة شرائح المجتمع الليبي أن تقوم بجملة من الإجراءات التي من شأنها تعزيز التوعية والتربية في المجتمع حول أخطار خطاب الكراهية ودوره في تغذية النزاعات، وتكريس جهود كبيرة في التربية لتعزيز الاحترام المتبادل والتسامح.

وعليه يقدم التقرير التوصيات التالية التي من شأنها تنظيم قطاع الإعلام وحماية وإعمال حرية التعبير والصحافة في ليبيا:

 للجهات التشريعية:

  • وضع إطار قانوني يحمي حرية الصحافة والإعلام، ومراجعة القوانين ذات الصلة لضمان توافقها مع المعايير الدولية لحرية الصحافة والإعلام، وضمان استقلالية الهيئات الإعلامية.
  • من الضروري إعادة النظر في القرارات المتعلقة بمهام وصلاحيات المؤسسات الإعلامية وهيئات رصد المحتوى الإعلامي، بالشكل الذي لا يؤثر في استقلاليتها.
  • يجب توضيح وتحديد المفاهيم والشروط بدقة في القرارات القانونية المتعلقة بحقوق الإعلام والصحافة.
  • تعزيز الشفافية والمساءلة: يجب أن يكون للجهات التشريعية دور فعّال في مراقبة أداء السلطة التنفيذية وضمان احترامها لحرية الصحافة، وفق المعايير والضوابط الدولية، والالتزامات الدستورية، وذلك من خلال تشجيع الشفافية في عمل الحكومة و مساءلتها في حال وجود تجاوزات.

للجهات التنفيذية:

  • ضمان الحماية القانونية لحرية التعبير، يجب على الجهات التنفيذية ضمان واحترام حقوق حرية التعبير والرأي كما هو مضمن في الدستور الوطني، وفي الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي انضمت إليها ليبيا.
  •  تنفيذ القوانين بروح المساواة والعدالة، يجب على السلطات التنفيذية تنفيذ القوانين بروح المساواة والعدالة، وعدم استخدامها كأداة لقمع حرية التعبير والصحافة أو تقييد حقوق الإنسان.
  •  تعزيز التواصل مع المجتمع المدني، ينبغي على الحكومة تعزيز التواصل والتعاون مع المجتمع المدني والاستماع إلى مختلف الأصوات والآراء، وضمان تضمينها في صياغة السياسات ذات الصلة
  • ضمان عدم التدخل السياسي في شؤون الإعلام، وخصوصا فيما يتعلق بالهيئات الخاصة بتنظيم القطاع الإعلامي.
  • الحاجة إلى تعزيز الشفافية والمساءلة في عمليات منح التراخيص والأذونات الإعلامية وتحديد آليات الاستئناف والمراقبة.
  • يجب أن تتخذ السلطات التنفيذية الإجراءات اللازمة لضمان سلامة الصحفيين وحمايتهم من التهديدات والاعتداءات، بما في ذلك محاسبة المعتدين وتقديمهم للعدالة.
  • يجب على السلطات التنفيذية الالتزام بمبدأ الشفافية في العمل الحكومي وضمان حق الوصول للمعلومات العامة، مما يساهم في تعزيز دور وسائل الإعلام في مراقبة الحكومة والمساءلة

 للمجتمع المدني:

  • ينبغي على المجتمع المدني تشجيع ودعم حرية التعبير وحرية الصحافة كقيم أساسية للديمقراطية وحقوق الإنسان.
  •  يمكن للمجتمع المدني مراقبة أداء وسائل الإعلام وتقديم التقارير حول أي تجاوزات أو انتهاكات تتعرض لها حرية الصحافة، والمطالبة بالمساءلة للمسؤولين.
  • ينبغي على المجتمع المدني تعزيز التواصل والحوار بين وسائل الإعلام والمواطنين، وتشجيع المشاركة المجتمعية في إنتاج المحتوى الإعلامي.
  • ينبغي للمجتمع المدني المشاركة الفعالة في صياغة السياسات الإعلامية والقوانين ذات الصلة، والعمل على ضمان تمثيله في الهيئات التشريعية والتنظيمية ذات الصلة.
  • يمكن للمجتمع المدني تعزيز الوعي الإعلامي للمواطنين وتشجيعهم على التحليل النقدي للمحتوى الإعلامي والمشاركة في إثراء الحوار العام.
  • يمكن للمجتمع المدني تقديم الدعم والتوعية القانونية للصحافيين والمواطنين حول حقوقهم والإجراءات القانونية المتاحة للدفاع عن حرية التعبير.
  • ينبغي على المجتمع المدني دعم وتقديم الدعم للصحفيين والناشطين الإعلاميين الذين يتعرضون للتهديدات أو الضغوطات بسبب عملهم.
  • ينبغي على المجتمع المدني التعاون مع المنظمات الدولية والإقليمية ذات الصلة لتبادل الخبرات والمعرفة وتعزيز حماية حرية التعبير والإعلام.

عن التقرير

تهدف لوحة البيانات إلى توفير جميع المعطيات المٌتعلقة بالاعتداءات الجسيمة التي تعرض لها الصحفيون أو الهجمات على وسائل الإعلام ، بالإضافة للإجراءات التعسفية التي اتخذتها السلطات الليبية وأضرت بحرية الصحافة والتعبير في ليبيا.

توفر لوحة البيانات جميع المعطيات التي تم جمعها خلال السنوات العشرة الأخيرة، وسيتم تحديثها بشكل دائم لتوفر أرقام ومعطيات حول حالة حقوق الإنسان وحرية التعبير، وذلك بهدف تحسين الأليات الوطنية لحماية الصحفيين.

جميع الحقوق محفوظة © 2024 • المركز الليبي لحرية الصحافة